2ـ النّقلُ الصوتيُّ للقرءانِ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين , و صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ على محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين . لقد علمنَا يا أحبَّة مِن الدرسِ الماضي, أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, وجزاهُ اللهُ عنَّا خيراً قد بلَّغَنَا القرآنَ العظيمَ بطريقتين: · الطريقةُ الأولى: مكتوبًا كما لاحظْنَا, و قد تحدَّثـْنا عن ذلك باستفاضةٍ في الدرس الماضي. · الجانبُ الثاني: هو النقلُ الصوتيُّ للقرآنِ الكريمِ, وهذا أمرٌ في غايةِ الأهميةِ . ( النقلُ الصوتيُّ للقرآنِ العظيمِ ) : 1- نزلَ جبريلُ عليه السلامُ, على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, على قلبِه الشريفِ, صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, بالقرآنِ العظيمِ كما أخبرَنَا ربُّنَا في القرآنِ قالَ: (نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ(193) على قلبِك لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ(194))الشعراء وقالَ: ( قُلْ مَنْ كانَ عَدُّوًا لِجِبْرِيلَ فإنَّه نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإذْنِ اللهِ)البقرة/97 إذًا النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ يَتَلَقَّى القرآنَ العظيمَ بكيفيةٍ نسميهَا الوحي, اللهُ أعلمُ بكُنهِها وبحقيقتِها ,إِلاَّ أنَّ التي أخبرتْنَا عنها الأحاديثُ الصحاحُ؛ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يعاني منها شِدَّةً شديدةً , فكانَ يَتَفَصَّدُ عرقًا في الليلةِالشديدةِ البردِ, وكانَ يغيبُ عمًّا حولَه, ثمَّ يَفصِم عنهالوحي وقد وعَى ما قالَ له, كما قالَ: (سَنُقرِئُكَ فَلاتَنْسَى)) [الأعلى/6] سنقرئُك القرآنَ قراءةً لا تنسى بعدَها أبدا, 2-تَلَقِّى الصحابة الكرام مِن فمِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه و سلَّم : بعدَ أنْ يفصِمَ الوحيُ و ينفصمَ عنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَد وَعى ماقالَ الملَكُ, كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعَلِّم مَن حولَه مِن الصحابةِما نزلَ عليه مِن مقطعٍ قرآني؛ فيتلو أمامَهم, فيسمعونَ بآذانِهم مِن فمِه الشَّريفِ, صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, دونَ أنْ يعانوا ما عاناهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن تلقِّيه مِن المَلَكِ. نحنُ أخذناهُ بسهولةٍ, والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَلَقَّاهُ بالشِّدةِ الشديدة,, فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرًا, قالَ تعالى: { إنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيْلًا } [المزمل/5] , فجزى اللهُ عنَّا رسولَنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُلَّ خيرٍ. كانَ عليه الصلاةُ والسَّلامُ يَنطِق بألفاظِ القرآنِ, فيسمعُها الصحابةُ الكرامُ بآذانِهم, ثمَّ يُعيدونَ أمامَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ماتعلَّموه مِنه. فعندما يسمعُ منهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقِرُّهُم إنْ أحسنوا, ويُصَحِّحُ لهم إنْ أخطأوا, إلى أنْ يكونَ عليه الصلاةُ والسَّلامُ راضيًا عمَّا تلقاهُ أصحابُه مِن فمِه الشَّريفِ مِن القرآنِ العظيمِ, إضافةً إلى التدوينِ الذي تكلَّمْنا عنه سابقا. فوافقَ اللفظُ الخطَّ المكتوبَ.. 2-نقلُ أصحابِ رسولِ اللهِ القرءانَ إلى مَن بعدَهم : والصحابةُ الكرامُ رضي اللهُ تعالى عنهم يا إخوتي, كانوا مِن العربِ في أغلبِهم, والعربُ كانوا في ذلِك الزمانِ كما هم اليوم قبائلَ عديدةً, و بطونًا شتَّى, بينهُم توافقٌ في كثيرٍ مِن الكلماتِ, ولكنْ أيضًا بينهم فوارقُ في اللهجاتِ, فنجدُ أنَّ قبيلةً معينةً تستخدمُ كلمةً فتنطقُها بكيفيةٍ معينةٍ خلافَ قبيلةٍ أخرى؛ قبيلةٌ كانتْ تقولُ: (عَلَيْهِمْ), وقبيلةٌ أخرى كانتْ تقولُ: (عَلَيْهِمُ), وقبيلةٌ ثالثةٌ كانتْ تقولُ: (عَلَيْهُمْ) بضمِّ الهاءِ, فكانَ صلَّى اللهُ عليه وسلمَ كما أمرهُ جبريلُ نقلًا عن الله: إنَّ الله يأمرُكَ أنْ تُقريء أمتَك القرآنَ على سبعةِ أحرفٍ كلها شافٍ كافٍ. فرحمةً مِن اللهِ بالأمةِ كانَ عليه الصلاةُ والسلامُ ممتثلًا لأمرِ اللهِ في تعليمِهم بلهجاتِهم, إِنْ لم يكنْ ذلك مؤثرًا على المعاني؛ فبعضُ العربِ كانتْ تقولُ (يؤمنون) بالهمزِ, فكان يُقْرِئهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك, وبعضُ العربِ كانوا يقولون: ( يومنون) مِن غيرِ همزةٍ, بإبدالِ الهمزةِ واوًا, فكانَ النبيُّ, بأبي وأمي, يقرئهم كذلك, وهكذا صار عندنا الآن القرآن كما كانعند جيلِ الصحابةِ . الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهم بَلَغَهُم قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اقرأوا القرآنَ كما عُلِّمْتُمْ, فصاروا يَقرأون و يُقْرِئون النَّاسَ كما تعلَّموا. فالذي تعلَّم: (عليهِم) أَقْرَأَ مَن حضرهم مِن جيلِ التابعينَ (عليهِم), والذي تعلَّم ( عليهمُ) أقرأ: (عليهمُ), والذي تعلَّم (عليهُم ) بضم الهاء أقرأ (عليهُم ) بضم الهاءِ, و هكذا على مستوى القرآنِ العظيمِ كلِّه. وصلَ الأمرُ إلى جيلِ التابعينَ, وتابعي التابعينَ, وكانَ كلُّ إنسانٍ لابد له مِن أستاذٍ شيخٍ يوقفُه على حقيقةِ ألفاظِ القرآنِ الكريمِ, وبقي الأمرُ متسلسلًا مِن ذلك الزمانِ إلى زمانِنا هذا ... القرآنُ العظيمُ ليس كبقيةِ الكتبِ ... ليسَ كتابًا تنزلُ إلى المكتبةِ فتشتريه, وتأتي إلى البيتِ وتقرأه. ... لابدَّ للقرآنِ العظيمِ مِن شيخٍ يُوقِفُ الطالبَ على ألفاظِ القرآنِ, فيقولُ له: هذه تُنطقُ هكذا, و هذه تنطق هكذا, وهذه تُلفَظُ هكذا ... فلابدَّ مِن بيانِ ألفاظِ القرآنِ الكريمِ, عن الأساتذةِ المتقنينَ الذين تلقَّوه بأسانيدَ متصلةٍ إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛فَمًا عن أذنٍ, وأذنًا عن فمٍ, مِن أولِ الإسنادِ إلى آخرِه. وهذه يا إخواني مَزِيَّةٌ للأمةِ الإسلاميةِ لا توجدُ عند غيرِهم أبدًا ... لاتوجد أمةٌ تَنْقُلُ كتابَ ربِّها إلى نبيِّها باللفظِ الصوتيِّ سوى هذه الأمةِ المحمديةِ. فللهِ الحمدُ والمِنَّةُ على ذلك. فلذلك أنصحُ إخواني, مَن يريدُ أنْ يتعَّلم القرآنَ لابدَ له مِن أستاذٍ متقنٍ يجتمعُ به, في مسجدِه القريبِ,في حَيِّهِ, في مدرستِه, يبحثُ, الذي يريدُ أمرًا يبحثُ عنه. فإذا وجدَ ذلك الأستاذَ عليه أنْ يطلبَ منه تعليمَه كيفيةَ النطقِ بالقرآنِ العظيمِ. ونحن اليومَ الحمدُ للهِ بالوسائلِ الكثيرةِ التي أوجدَها اللهُ في عصرِنا نستطيعُ أن نستعملَها في تلقِّي الأصواتِ القرآنيةِ الصحيحةِ, عن طريق التسجيلات المرئية والمسموعة, والسي دي, والكومبيوتر, والإنترنت ..وسائل كثيرة, نسأل الله ألَّا تكونَ هذه الوسائلُ حجةً علينا, بل أنْ تكونَ حجةً لنا. وأن نُحسنَ استعمالَها في مرضاةِ اللهِ تعالى. |