ما المقصدُ مِن تعلُّم الأحكامِ ؟ · سببُ نشأةِ علمِ التجويدِ : القرآنُ العظيمُ نزلَ بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ؛ أي: بلسانِ قومِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبلَ ألفٍ وأربعمائةٍ مِن السنينَ, فالقرآنُ الذي نزلَ بهذه اللغةِ, نحنُ بيننا وبينه تلك الفترة, ألفٌ وأربعمائةٌ مِن السنواتِ, دخلَ في الإسلامِ مِن العجمِ, والأممِ المختلفةِ, فبدأت الألسنةُ تختلفُ بتلاوةِ القرآنِ الكريمِ, فخافَ علماؤنا مِن الصدرِ الأولِ,جزاهم اللهُ عنَّا خيرًا, مِن أنْ يطرأَ على القرآنِ الكريمِ التغييرُ و التبديلُ, كما جرى للكتبِ التي قبلَه, فألهمَهم اللهُ سبحانَه و تعالى, و هو المتكفِّلُ بحفظِ القرءانِ, ألهمَهم أنْ يضعوا قواعدَ مستنبطةً مِن التلاوةِ المنقولةِ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه و سلَّم , من سار على هذه القواعدِ فقد قرأ القرءانَ كما أُنزِلَ تمامًا. · كيفيةُ وضعِ قواعدِ علمِ التجويدِ و الفائدةِ مِنها: كمااستنبطَ علماءُ النحوِ قواعدَ علمِ النحوِ, و كما استنبطَ علماءُ الصرفِ قواعدَ علمِ الصرفِ مِن كلامِ العربِ, لم يأتوا بذلك مِن فراغٍ, و لم يخترعوه مِن عِند أنفسِهم, وإنما استقرءوا كلامَ العربِ فوجدوا بأنَّ العربَ مثلًا إذا تكلَّموا, فإن الذي يقومُ بالفعلِ, الذي سموه فيما بعد (الفاعل) يكونُ عليه ضمةٌ, فقرروا قاعدةًَ: (الفاعلُ مرفوعٌ). كذلك علماءُ هذا العلمِ نظروا فيما عليه تلاوةُ القرءانِ الكريمِ, فدرسوا الحروفَ حرفًا حرفًا, فقالوا: إنَّ الباءَ مِن الشفتينِ, وإنَّ الهمزةَ مِن أقصى الحلقِ, و إنّ النونَ من طرف اللّسان, و إنَّ العربَ وقتَ نزولِ القرءانِ لمّا كانوا ينطقونَ الباءَ كانوا ينطقونها مجهورةً غيرَ مهموسةٍ, و ينطقونَ الهمزةَ شديدةً, وينطقون النّونَ مغنونةً, فوضعوا لنا قواعدَ تضبطُ للتّالي تلاوتَه, و تحفظُها مِن أنْ ينحرفَ بها اللّسانُ نحو لهجاتٍ عاميّةٍ أو غير ذلك. أي استقوها مِن القراءة التي قرأهَا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, و تلقَّاها الشيوخ.. · سندُنا متَّصِلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : هل بيننا وبين رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلم سندٌ متَّصلٌ يؤكدُ أنَّ الذي نقرأه نحنُ اليومَ ,هذا القرآنَ العظيمَ, هو ذاتُ القرآنِ الذي قرأه الَّنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلمَّ؟ يعني سندنا متصلٌ مِن الشيوخِ؟ بإمكانِكم أن تحدثونا مثالا عن قراءتِكم وسندِكم وشيوخِكم إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَم بإيجاز ٍفي هذا الموضوع. لاشكَّ أنَّ العلومَ الشرعيةَ علومٌ متعددةٌ؛ فكلُّ أهلِ علمٍ لهم العلمُ الذي تخصصوا فيه ... قسمٌ مِن علمائنا في الشريعةِ الإسلاميةِ تخصصوا بموضوعٍ, وهو النقلُ الصوتيُّ للقرآنِ الكريم ... وعُرِفوا على مرِّ العصورِ باسمِ القُرَّاءِ *المقصودُ بالقرَّاءٍ: القُرَّاء ُنقصد بهم القومَ الذين هم شريحةٌ مِن علماءِ الشريعةِ تخصصوا في هذا النقل الصوتيِّ للقرآنِ الكريمِ, ليتلقَّى الواحدُ منهم القرآنَ عن شيخَه حرفًا حرفًا ، من الجلدةِ إلى الجلدةِ؛ أي: مِن أولِ القرآنِ الكريم إلى آخرِه ويتقنه عليه, فإذا شعرَالشيخُ منه الإتقانَ والتلاوةَ الصحيحة, قال له في آخرِ الختمةِ أَجزتُك أنْ ترويَ القرآنَ الكريمَ عنِّي, وسمحتُ لك بتدريسِه . *معنى قول الشيخِ لطالبِه: أجزتُك : معنى أجزتُك؛ يعني: أشهد أنَّ تلاوتَك مطابقةٌ لتلاوتي على شيخي, وأستاذِه عن أستاذِه, وهكذا إلى رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلم . *مثالٌ لسندٍ متَّصِلٍ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ( إجازةُ الشيخِ أيمن ): سُئِلَ الشيخُ:كم بينكم وبين الرسولِ مِن شيوخٍ ؟ بفضلِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنني تلقيتُ القرآنَ الكريمَ بقراءاتِه العشرِ على خمسةٍ مِن شيوخِ العالمِ الإسلاميِّ في بلادِ الشامِ , ومصر مِنهم, وأعلاهُم إسنادًا أستاذي وشيخي العلَّامة الشيخ عبد العزيز عيون السود, رحِمَهُ الله تعالى, فمن خلالِ قراءتي على الشيخِ عبد العزيز, يكونُ بيني وبينَ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلمَ سبعةٌ وعشرون شيخًا, هذا مِن أقلِ الأعدادِ الموجودةِ في عصرِنا, كلُّ واحدٍ يروي عن شيخِه؛ الشيخُ عبدُ العزيز رحمَهُ اللهُ قرأتُ عليه وأجازني وهو قرأَ على شيخِه وأجازَه, وهكذاسبعةٌ وعشرون شيخًا ، الثامنُ والعشرونَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. هذا نموذجٌ لطرفٍ أحادي مِن روايةِ القرآنِ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, وإلا كلُّ شيخٍ أقرأَ العشراتِ, ولربما أقرأ المئاتِ الكُثرَ المنتشرين في أنحاءِ العالمِ الإسلاميِّ. سندُنا متصلٌ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كل ذلك حرصت الأمةُ عليه لأنَّ اللهَ تعالى قال لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلم "فإذا قرأناهُ فاتَّبِعْ قرآنَه ثُمَّ إنَّ عَليْنا بَيَانَهُ " لابد إذًا مِن التلَقِّي وهكذا صانت الأمةُ القرآنَ. وهذا السندُ الذي أشارَ إليه الدكتور أيمن, إنه تحقيقٌ أيضًا لمعجزةٍ قرآنيةٍ, حين أخبرنَا اللهُ سبحانَه أنه حافظٌ للقرآن " إنا نحنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا له لحافِظُونَ " لذلك بكلِّ اطمئنانٍ نقولُ: إن عددَ حروفِ القرآنِ التي نقرأُهَا هو ذاتُ العددِ الذي قرأه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, وهذه ميزةٌ لهذه الأمةِ لم تعرفْها أمةٌ من الأممِ الأخرى. |