Thursday, 2024-11-28, 1:43 PM
 

أحكام الميم الساكنة


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه ، وعلى آله وصحبه الكرام ..
أما بعد :

ما زلنا نتابع الحديث عن وضع الحرفين العربيين إذا التقيا وما ينشأ عن هذا التجاور من أحكام بعد أن تحدثنا عن صفات الحروف الذاتية ..
من جملة الأحكام التي تنشأ عن تجاور الحروف أحكام لحرف الميم إذا سكنت . فالميم إذا كانت ساكنة ممكن يأتي بعدها 28 إحتمالا، وهي الحروف حروف المعجم إلا الألف لان حروف المعجم 29 حرفا ، فالألف لا تكون إلا ساكنة ، ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فلا تأتي بعد الميم الساكنة ... بقي عندنا 28 احتمالا وهي الحروف الهجائية إلا الألف ، ما وضع هذه الحروف الهجائية إن أتت بعد الميم الساكنة؟

تتوزع الحروف على ثلاث مجموعات :
فإما أن يكون حكم هذه الميم الإدغام .
وإما أن يكون حكمها الإخفاء .
وإما أن يكون الإظهار .

هذه هي المداخل الثلاثة للبحث الذي بين يدينا اليوم ...

الميم الساكنة يا إخوتي إن جاء بعدها ميم مثلها فإن هذه الميم الأولى تدغم في الميم الثانية فتصبحان ميما واحدة مشددة، ومن قواعد التجويد أن هذه الميم المشددة تحتاج إلى غنة طويلة .. مثلا : " لكم ما كسبتم " 
لكم " >> آخرها ميم ساكنة
"ما" >> أولها ميم متحركة.
ندغم الأولى في الثانية فتصبح ميما واحدة مشددة ..
تنطبق عليهما الشفتان انطباقة واحدة ، نطبق على الميم الساكنة ونفتح الشفتين على الميم المتحركة مع ملاحظة الغنة ..
إذن تدغم الميم الساكنة إذا أتى بعدها حرف واحد وهو الميم .. هذا هوالحكم الأول.

قلنا تدغم الميم الأولى في الثانية .. ما معنى تدغم ..؟
هذا العمل الذي نقل إلينا من فعل العرب وفي تلاوة القرآن الكريم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا العمل كانت العرب تعمله ولم يكن له اسم ، فلما جاء العلماء ليقعدوا القواعد وجدوا أن الحرف الأول يدخل في الحرف الثاني فاشتقوا لهذا العمل اسما من تعبير عربي قديم ، تقول العرب : "أدغمت اللجام في فم الفرس " اللجاممعروف وهو الذي يوضع للفرس حتى لا تجمح .. فيقول : أدغمت اللجام في فم الفرس أي أدخلته في فيها ، فاستعاروا هذا اللفظ من ذلك الفال اللغوي ليخصوا به حكما معينا من أحكام اللغة والتلاوة وهو أن يدخل حرف أول ساكن في حرف ثانمتحرك ، فإذا حدث هذا سموا هذا العمل : " الإدغام،وعرفوه بأن قالوا : 
الإدغام هو إيصال حرف ساكن بحرف متحرك بحيث يصيران حرفا واحدا مشددا ، وفي غير المتماثلين نقول : من جنس الثاني يرتفع عنهما المخرج ارتفاعة واحدة .
إذن الإدغام لغة : الحبس
اصطلاحا :هو إيصال حرف اكن بحرف متحرك بحيث يصيران حرفا واحدامشددا ، يرتفع عنهما المخرج ارتفاعة واحدة .. هذا هو الحكم الأول

أما الحكم الثاني:

الإخفاء .. وذلك إذا أتى بعد الميم الساكنة باء " ميم ساكنة بعدها باء " مثل : <ترميهم بحجارة > . الميم من الشفتين : < ترميهم > ، والباء من الشفتين < بحجارةفهما حرفان من المخرج نفسه إلا أن الميم فيها غنة والباء ليس فيها غنة ، لذا لا تدغم الميم في الباء لما فيها من الغنة .
لذا لا يصح أن نقول : ترميهبحجارة >مع أن الميم من الشفتين والباء من الشفتين، لأن الميم فيها غنة وهذا أمر لم يفعله أحد . هذا هو الإدغام .
ولو أظهرنا لقلنا : <ترميهم بحجارةالميم لوحدها والباء لوحدها من غير غنة طويلة ، لكن هذا اللفظ نقل إلينا قرآنا بغنة طويلة ، فلا هو إظهار ولا هو إدغام ..

وقد كان من عادة أسلافنا الأوائل في عصر بدء التصنيف أن يفرقوا بين الإظهار والإدغام لأن الحرف الأول إذا كان ظاهرا لا علاقة له بالثاني فهذا إظهار، إن دخل في الثاني فهذا إدغام، فإن كانت هناك في اللفظ حالة ثالثة لا بقي الحرف الأول علىحاله ولا أدغم في الثاني سموا هذا العمل إخفاءً، كأن الحرف الأول خفي عند الثاني .. إذن هذا الحكم أن تأتي ميم ساكنة بعدها باء اسمه الإخفاء ، نطبق الشفتين هكذا على الميم ونغن ثم نفتحهما على الباء . 

وهذا أمر فطري يفعله الإنسان من غير تكلف ..
هذا العمل الذي هو الإخفاء اشتق العلماء هذا اللفظ من استعمال عربي وهو الستر ، خفي الشيء أي استتر .. 
إذن الإخفاء لغة : هو الستر .

وعند العلماء إذا قالوا الإخفاء إنما يقصدون أنه ننطق بحرف بصفة بين الإظهار والإدغام . لا الحرف الأول مستقل تماما عن الحرف الثاني فهو إظهار ، ولا مدغم في الثاني . بصفة بين الإظهار والإدغام عارٍ عن التشديد يعني لم يدخل الأول في الثاني . قالوا هذا ليخرجوا الإدغام الناقص كما سيأتي معنا مثلا في : " من ولي ولا " فإن ذاك فيه دمج جزئي ، أما هذا فلا دمج فيه .. إذا عارٍ عن التشديدمع بقاء الغنة في الحرف الأول ..
هذا هو الحكم الثاني .. وهو الإخفاء .

أما الحكم الثالث فهو : الإظهار ..

إذن تدغم الميم في مثلها، وتخفى عند الباء، وتظهر في بقية الحروف يكون نطقها عادي ، كل ميم ساكنة جاء بعدها أيحرف من الحروف ما عدا الميم والباء فإن هذه الميم لا تتغير ولا تتأثر ولا تؤثر فيما جاورها أو أتى بعدها من حرف .. وهو الإظهار .
فلإظهار كل حروف الهجاء الباقية ستة وعشرون حرفا .
مثال :هم فيها – أم لم تنذرهم لا يؤمنون .
الإظهار في اللغة :البيان . عند الأئمة إذا قالوا الإظهار فإنقصدهم أن يخرج كل حرف من مخرجه من غير زيادة في الغنة ومن غير تطويل لها .

وهذا تعريفه في الإصطلاح..
إننا نلاحظ أننا قلنا من غير زيادة في الغنة ولم نقل بدون غنة لأن الميم فيها شيء من الغنة . لكن هذه الغنة لا تطويل فيها ..
أريد أن أنبه على أمر أخير وهو أن العلماء رحمهم الله نبهوا على أن الميم الساكنة إن جاء بعدها فاء أو واو فإن على القارئ أن ينتبه إلى هذه الميم حتى لا تختفي عند هذينالحرفين .. لماذا؟ لأن الميم من الشفتين والواو كذلك من الشفتين ، لكن الفرق أن الميم بانطباق الشفتين والواو بانضمامهما من غير انطباق مع بقاء فرجة إلى الأمام..
مثلا : في الفاتحة عند : غير المغضوب عليهم ولا ..فلابد من بيان هذه الميم التي أتى بعدها واو ، وكذلك الفاء مثلا : هم فيها خالدون " .. فعلى القارئ أن يحرص على هذه الميم .

هذه هي أحكام الميم الساكنة