بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه ، وعلى آله وصحبه الكرام .. أما بعد : ما زلنا نتابع الحديث عن الأحكام التي تنشأ بسبب تجاور حرفين عربيين إلى جانب بعضهما ، وكنا في الحلقة الماضية قد تكلمنا عن الميم الساكنة وما ينشأ عن تجاورهما من أحكام . واليوم بمشيئة الله تعالى نشرع في الكلام عن حرف آخر من حروف المعجم وهو النون الساكنة والتنوين . عندما تتجاور النون الساكنة مع حرف من حروف الهجاء الثمانية والعشرين ، وأعود فأذكر أن حروف الهجاء تسعة وعشرون حرفا ولكن من بينها الألف ، والألف لا تكون إلا ساكنة . ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً ، فلا تتجاور الألف مع النون الساكنة .. فإذا أخرجناها من العدد بقي عندنا ثمانية وعشرين حرفاً . ولكن قبل أن نبدأ حديثنا لعل البعض يسأل : لماذا كلما تكلمنا عن النون الساكنة نتكلم عن التنوين ؟ ما علاقة التنوين بالنون الساكنة ؟ التنوين يا إخوتي الكرام ظاهرة من ظواهر اللغة العربية كانت العرب تستعملها وهي على وزن تفعيل ،نونْتُ الكلمة أي جعلتُ في آخرها نونا، فالتنوينهو أن يجعل المتكلم العربي في آخر الكلمة التي ينطقها نوناً" ولا يكون ذلك إلافي الأسماء " .. فبدل أن يقول : " بيت " يقول : " بيتٌ " ، وبدل أن يقول : " بيتا " يقول : " بيتاً " .. وهذا التنوين ظاهرة معروفة في اللغة العربية وتستعمله العرب في اللفظ دون الخط .. أي لا يكتبون التنوين نونا صريحة ؛ وإنما ينطقونه فقط .. فإذا وقفوا على الكلمة التي نوّنوها في الوصل حذفوا ذلك التنوين ووقفوا بالسكون سواء كان الكلمة الموقوف عليها آخرها فتحة أو ضمة أو كسرة ، إلا أنه إذا كان آخرها فتحة مثلا : " عليماً " فإنهم يحذفون التنوين ويقفون بألف معوضة عن تلك النون فيقولون : " عليما " ، بينما مثلا : " عليمٌ " و"عليمٍ " يحذفون التنوين ويقفون بالسكون . - تعريف التنوين :هو نون ساكنة تلحقها العرب آخر الأسماء لفظا لا خطا ، ووصلا لا وقفا ،وعلامته في الخط مضاعفة الحركة نحو : بيتٌ - بيتاً - بيتٍ _ يعامل التنوين في تلاوة القرآن معاملة النون الساكنة تماما ، فكل كلمة وكل حكم يذكر في النون الساكنة ينطبق على التنوين ، إلا أن نخص النون بالحديث دون التنوين . هذه النون الساكنة أو التنوين عند حروف الهجاء الثمانية والعشرين لها أربع حالات : الأولى :تبقى النون على وضعها ظاهرة .. وهو الإظهار . الثانية :تدغم النون في الحرف الذي الآتى بعدها .. وهو الإدغام . الثالثة :تقلب النون إلى ميم ساكنة وتخفى هذه الميم عند الحرف الذي آتى بعدها وهو الباء . الرابعة :الإخفاء لبقية الحروف . الآن سنشرع في الكلام عن الحكم الأول وهو الإظهار . سبق أن تكلمنا عن الإظهار في أحكام الميم الساكنة، وأذكر به : الإظهار لغة :البيان . اصطلاحا :إخراج كل حرف من مخرجه من غير زيادة في الغنة . يكون ذلك عند أحرف الحلق الستة . نحن نعلم وكنا قد درسنا في مخارج الحروف أن النون تخرج من طرف اللسان ، ويصاحب ذلك غنة من الخيشوم الذي هو التجويف الأنفي . هذه النون إذا كانت ساكنة وأتى بعدها حرف من أحرف الحلق الستة : الهمزة والهاء _ العين والحاء _ الغين والخاء . فإن هذه النون لا تتأثر بتلك المُجاورة بل تبقى على حالها، لا نزيد في غنتها ولا ننقص ، وكأنه جاء بعد النون حرف لم يؤثر إطلاقا في هذه النون . * إذاً تظهر النون عند حروف الحلق الستة سواء كانت نوناً أصلية أو تنويناً. أمثلة : من ءامن _ من هاد - سميعٌ عليم _ عليمٌ حكيم فسينغضون أئمتنا جزاهم الله عنا خيرا وضعوا لنا علامات في المصحف تبين لنا هل هذه النون مظهرة أملا .. نحن يكفينا أن نعرف هذه القاعدة ، ولكن من لم يعرف هذه القاعدة هناك طريقة ثانية يُعرف بها هل هذه النون مظهرة . وضع أئمتنا فوق النون المظهرة التي بعدها حرف حلقي علامة سكون، وعلامة السكون في ضبط المصحف التي اخترعها الخليل بن أحمد الفراهدي رحمه الله هو رأس خاء من كلمة خفيف، خفيف يعني ساكنة غير متحرك وغير مشدد ، أخذوا رأس الخاء ويكتبون الخاء من غير نقطة . فإذا رأينا رأس الخاء فوق نون ما فإن هذه النون ساكنة يقرعها اللسان .. مثلا : " من ءامن " فيقرع اللسان مخرج النون عند الهمزة ولا يتأثر بمجاورتها أبدا . هذه علامة الإظهار بالنسبة للنون الساكنة .. لكن ما علامته بالنسبة للتنوين؟ للتنوين أيضا علامة رأينا أن التنوين هو مضاعفة للحركة .. إن رأينا هذه الحركتين متراكبتين بعضهما فوق بعض، وهذا يسميه علماؤنا التنوين المتراكب .. يعني ركبت إحدى الحركتين الأخرى تماما ..إن رأينا بدلا من الضمة ضمتين وبدلا من الكسرة كسرتين تماما وبدلا من الفتحة فتحتين تماما هذا يسمى التنوين المتراكب هذه علامة الإظهار ، أما إن كان متلاحقا فله وضع آخر سنتطرق إليه في الدروس القادمة إن شاء الله .. إذن : هذا هو الحكم الأول من أحكام النون الساكنة والتنوين
|